اسمه ونسبههو الشيخ العالم العامل الفقيه المتعبد الزاهد الخير الورع المتفنن أمين الأخبار المحمدية محمد بن محمد وعلي بن أحمد من عائلة بن تشيكو العريقة بالمدية رحمه الله تعالى وقدّس روحه و نور ضريحه ولد بالمدية في27 . 2 .1907 من أب صاحب متجر خبز يحب العلم والعلماء وأم تيجانية كان أبوها الشيخ الحسيني فقيها ومدرسا في المساجد وترعرع فيها وأتم حفظ القرآن حين بلغ 12 سنة.
طلبه للعلم:توفي والده سنة 1920 فكان عليه أن يعمل مرة في الصناعة ومرة في التجارة، وكان يتطلّع إلى تعلم العلم فلزم دروس الشيخ مصطفى فخار مفتي المالكية في المدية رحمه الله تعالى وأخذ عنه ما استطاع من فقه وأدب وقواعد اللغة، وقد كرّمه بإجازة جاء فيها (بسم الله ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى كل من والاه، وبعد فإن الأخ النجيب النزيه اللبيب السيد محمد بن شيكو المداني أصلا ومنشأ طلب مني أن أجبيزه بما أجازني مشائخي من علوم فقه ونحو وتفسير وغيرها ظنا منه أني أهل لذلك وبالرغم من قصوري فقد أجبته فأشهد أنه من الطلبة النجباء الأتقياء الراغبين في تعليم العلم ونشره بين المومنين ومن ذوي النوايا الحسنة ومن التلاميذ الذين كانوا ملازمين للدروس التي تلقيتها عن مشائخي رحمهم الله تعالى والدروس التي كنا نلقيها على الناس باهتمام حتى حصل على درجة من العلم لا باس بها وبناء على هذا القول إني أجيزه فيما أنا مجاز به مما ذكر من العلوم لأنه أهل لأن يجاز.........)
ثم أتاح لنفسه الفرصة لينهل من العلم على يد الشيخ ابن باديس رحمه الله تعالى بقسنطينة ثم في جامع الزيتونة فترة قصيرة .
نشره للعلم:ولما رجع إلى المدية أسّس بطلب من اعيانها أول مدرسة حرة سمّها ´´المدرسة القرآنية´´ وذلك عام 1937م وكانت موجهة أساسا للتعليم الإبتدائي تعنى بتحفيظ القرآن وتدريس الفقه والتوحيد والسيرة النبوية واللغة العربية وقواعدها.
إضافة إلى هذا كان يزاول تدريس قواعد اللغة العربية في المساء بعد المغرب لفئة من الطلاب الكبار الذين يتفرغون لمهنهم وتجارتهم صباحا.
وخلال هذه المدة شارك الشيخ في امتحان التوظيف في سلك الأئمة فنجح فنعين في منتصف سنة 1940م إمام بمسجد قرية زواوة التابعة لبلدية الشراقة فأم بها الناس مدة عامين ثم عين إماما بمسجد الحنفية بالجزائر العاصمة سنة 1943 (االجامع الجديد حاليا ) وبعد وفاة مفتي المسجد الشيخ العاصمي رحمه الله تعالى عين مفتيا خلفا له سنة 1945 م وتام بالوظيفة إلى ما بعد الإستقلال إلى سنة 1967.
وعندما ألغى الحكم الجزائري وظيفة الإفتاء كليا اضطر كغيره إلى الإلتحاق بالتعليم مرة ثانية فدّرس بثانوية الأمير عبد القادر بالجزائر العاصمة إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1972م فمكث بمنزله يدارس القرآن.
وكان الشيخ رحمه الله مدة توظيفه وقبلها حريصا على المشاركة في حلقات سرد صحيح البخاري رضي الله عنه في المساجد في الأشهر التي قبل شهر رمضان المبارك وخلالة كان الشيخ رحمه الله قيد حياته يجل النبي صلى الله عليه وسلم إجلالا عظيما وكان يوقر الصحابة رضي الله عنهم توقيرا بالغا وكذا مشايخه، وبزور هؤلاء في كل مناسبة ويثني عليهم الثناء الحسن ويكرم حفظة القرآن.
ولايقدم على عمل من الأعمال إلا إذا كان موافقا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وكان لا يغفل عن العمل بهما في دقيق تصرفاته وجليلها وهو صاحب أخلاق طاهرة، تقهره الأحوال فتأسره، وبستعمل الأخلاق فتظهره، تحل بخالص الخدمة، فكف طوارق الحيرة ,وعصم من الانقطاع والفترة، لا يأنس إلا به، ولا يستريح إلا إليه. فهو من أرباب القلوب المتسورون بصائب فراستهم على الغيوب، المراقبون للمحبوب التاركون للمسلوب،، سلك مسلك الصحابة والتابعين ومن نحا نحوهم من المتقشفين والمتحققين العالمين بالبقاء والفناء، والمميزين بين الإخلاص والرياء، والعارفين بالخطرة والهمة والعزيمة والنية ,والمحاسبين للضمائر، والمحافظين للسرائر، المخالفين للنفوس والمحاذرين من الخنوس بدائم التفكر، وقائم التذكر، طلبا للتداني، وهربا من التواني.
نظر إلى ثواب الآخرة بعين راضية، واشترى الباقية بالفانية، بلغ المنازل بصبر أيام قلائل، قطع الأيام باليسير، بادر خوف حوادث الساعات، و لم يركب أيامه باللهو واللذات بل خاض الغمرات للباقيات الصالحات، مسارعا إلى الخيرات منقطعا عن اللهوات، فهو الأخرس الفصيح , والأعمى البصير
وكان نشاطه يتسم بروح المسؤولية والجدية، فكان يهيئ دروسه قبل عرضها وخطبه قبل إلقائها وكان يتفقد سلوك أبنائه ويطلع على من يصاحبون ويحاسبهم على نتائج دراستهم في كل مناسبة ويشجعهم على طلب العلم وبوجههم التوجيه الحسن ويعنى بمراقبة موظفي المسجد ويوجههم في أداء وظائفهم
كانت تطبع أعماله الحكمة وحسن التدبير. فإن لم يدرس فن التربية والبيداغوجية فقد كان بارعا فيهما بالفطرة والجبلة. فكانت دروسه تتميز بالوضوح والتسلسل والتدرج، فكثير من طلبة المدية من الجيل الماضي حصلّوا على يديه ايّما تحصيل بما اسداه لهم الشيخ في صغرهم.
وقد كانت خطبه ودروسه ومواعظه تتلاءم مع الأحداث والظروف التي اجتازتها الأمة وأعانت على مواكبتها بحماس وإخلاص.
وكانت تتجلى فيه الرحمة فكان يزور الأقارب ويصل الرحم ويوصي بها ويسعى في إصلاح ذات البين.
بعض مواقفه :لقد كان الشيخ رحمه الله تعالى يؤمن إيمانا راسخا بقضايا أمة الإسلام وفي مقدمتها قضية وطنه المستعمر فكان يؤيد في سرية تامة حركة التحرير بما استطاع.
فكانت خطبه أثناء حرب التحرير مشحونة حماسا يوصي فيها بتوحيد الصف ونصرة كلمة الله والإعتصام بحبل الله بإيراده لآيات وأحاديث تحمل معان مختلفة كل يفهمها على حسب درجة وعيه. لذا كثيرا ما كانت الشرطة السرية تستدعيه لتسأله عما قصده في بعض ما قاله استنادا إلى ما أدلى به بعض الخونة المندسين في صفوف المعلمين فيقنعهم بما أوتي من حكمة وسلامة نيته. وهذا الأمر كان لا يخفى على ألب الشعب الجزائري المتبصر بما في ذلك جيش التحرير في ذلك الوقت.
إضافة إلى هذا فقد كان بعض الفدائيين الذين يقومون بعمليات قريبا من ساحة الشهداء يجدون ملجأ في الجامع الجديد لإخفاء سلاحهم فيه ومعبرا مؤقتا لهم فيساعدهم الشيخ رحمه الله في ذلك.
ولطالما أراد المستعمر أن يغريه ليتعاون معهم ويساندهم في مساعيهم الخبيثة فلم ينل ذرة خير منه، من ذالك استدعاء القائد الفرنسي "صلان " حينما تولى قيادة جيشه في الجزائر للشيخ بن تشيكو ليستميله ويتعاطف معهم فخيب مسعاه كليا.
ولما رأى المستعمر الرفض التام عرض عليه سنة 1958 منصب الإفتاء بمسجد باريس وذالك لإحلال مفت آخر محله يكون مساندا لهم فرفض الشيخ بلباقة.
ومن آثار التربية الدينية الرشيدة أن التحق أحد ابنائه بجيش التحرير التابع للولاية الرابعة سنة 1957 وأخر نشط في صفوف المنظمة السرية بالعاصمة في نفس السنة، فقبض عليه وعذب ثم سجن ولم يحظ الشيخ بلقائهما إلا غداة الإستقلال وكان خلال تلك الفترة يحمد الله على أن من الله عليه بهما.
لم يتوقف الشيخ بعد الإستقلال عن الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ونصح أولياء الأمر لا تأخذه في الله لومة لائم أو نقمة ناقم، وتتجلى بعض صور ذلك فيما تضمنته تلك الرسالة الموجهة إلى المكتب السياسي بتاريخ 15ربيع الأول 1382 الموافق لـ 16 أوت 1962 جاء في مطلعها موقعة من طرفة ومن الشيخ محمد بابا عمر والشيخ محمد شوتري والشيخ عبد الرحمن الجيلالي جاء فيها والتي تضمنت ضرورة إحياء القيم الإسلامية كما ضمت لائحة طويلة كاحتجاج على بعض المسؤولين الذين طالبوا أن تكون الدولة الجزائرية لائكية...
فأي إخلاص لله ولرسوله ولأمته أعظم من أن يلتفت العالم الرباني في تلكم الفترة العويصة التي أعقبت خروج المستدمر إلى أمته الجريحة يرشد ها إلى دينها ويسوقها إلى ربها برفق وحكمة. فكان في ذلك كله مخلصا لله ولوطنه لا يرجو جزاء إلا من الله تعالى.
وفاته:توفي الشيخ أول رمضان من يوم الجمعة الموافق لـ 10-01-1997 رحمه الله تعالى وقدس سره وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.