Admin Admin
عدد المساهمات : 1194 تاريخ التسجيل : 02/03/2009 العمر : 54 الموقع : الجزائر
| موضوع: محمد بن عبد القادر رحو الثلاثاء 27 أغسطس 2013, 03:58 | |
| الإمام الولي الفقيه المكين, العالم العامل الرصين, و الأديب المطلع الأريب الداعي والمرشد الواعي, المجاهد المعمر, العابد المشمر, العلامة الأريب و المربي الأديب, الفقيه النبيل العلامة الجليل, الجامع لأشتات العلوم, المدقق الضابط المتقن, المشفق المحسن. ولد الشيخ محمد بن عبد القادر رحو بتاريخ 8 أفريل 1901 بالعزيزية دوار الميهوب بالمدية فأقبل منذ صغره على الدراسة و التحصيل بتهم زائد, وعزيمة متوقدة وشوق متصاعد, وكان من يُمن نقيبته, و تمام سعادته, وجميل عناية الله به أن رزقه أستاذا عالما جليلا, وهو الشيخ العلاّمة عبد القادر قديري المدعو الحمامي نسبة إلى البلدة التي كان يقطنها وتدعى "الحمام" وقد تلقى هذا الأخير العلوم و المعارف بإحدى الزوايا بولاية بجاية التي كانت حينها منارة للعلم و مقصد الطلاب. تلقى الشيخ محمد بن عبد القادر قدّس الله سرّه علوم الفقه و اللغة والحديث و أصول الدين والتفسير و الحساب والفلك إلى غير ذالك مما تقدمه الزوايا من علوم وتخرج من هذه الزاوية وحصل على شهاة مختومة بختتم الشيخ عبد القادر قديري الحمامي رحمه الله تعالى وقد عرف عن الشيخ عبد القادر رحو حبه للعلم والعلماء وتمسكه الصارم بالقيم الدينية السمحة وكتاب الله تعال وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. بعد تخرجه من الزاوية طلب من شيخه رخصة للتدريس والإمامة لنشر العلم والمعرفة فأرسله إلى المسجد الأكحل ببلكور بالجزائر العاصمة _ الذي حسب رواية أحد طلابه بناه الشيخ الحمامي _ وقد مكث الشيخ رحو بهذا المسجد فترة لا بأس بها فيه أحبه أهل بلكور ممن تعلموا منه وسمعوا دروسه وكانوا من رواد المسجد. نقل الشيخ عبد القادر رحو إلى فرنسا قسرا لأداء الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، شأنه في ذلك شأن كل الجزائريين، وقد عومل _ حسب تصريحاته _ معاملة خاصة بصفته رجل دين، تمثلت في إعفائه من التدريبات العسكرية الشاقة وهيء له جو مناسب للتعبد، فكان رحمه الله تعالى يقضي يومه في تلاوة كتاب الله وختمه مرة كل يوم. ومن النوادر التي يتعين ذكرها في هذا المقام أن أحد عناصر الخدمة العسكرية وهو فرنسي كان معه في المعسكر, أعجب أيما إعجاب بسلوك وتصرفات وتدين والتزام الشيخ محمد بن عبد ?القادر رحو وانكبابه على تلاوة كتاب الله تعالى طوال اليوم دون كلل أو ملل، فنقل هذا الجندي الفرنسي ما شاهده شخصيا عن الشيخ إلى أهله واصفا لهم طباعه، فانبهرت أسرته لما سمعت عن هذا الشيخ كرجل دين مبارك، فأرادت إستضافته، فألحت الأسرة إلحاحا شديدا على المسؤول العسكري السماح باستضافته ليكون ضيفا على أسرتها للتبرك به وحصول البركة لبيتهم، وقد حاول الشيخ الإمتناع عن تلبية الدعوة فلم ينفع فهيئت الأسرة الفرنسية استقبلا كبيرا للشيخ يليق بجلاله ووقاره والقيم الإسلامية العظيمة التي يحملها، ولدى دخوله للمنزل باللباس التقليدي الجزائري المعروف بالبرنوس الأبيض والعمامة, فوجد مستقبليه قد اصطفوا أمام الباب في انتظار وصوله، فحيوه جميعا تحية واحدة احتراما وتقديرا لمنزلته وكان في مقدمتهم ربة البيت التي لم تكن قد رأته من قبل فانحنت حين دخوله وقالت : "هذا هو رجل الدين " marab le إنه حقا كذالك. وقدمت له القهوة التي أعدت خصيصا له, لكنه استطاع بلباقته الإعتذار عن شربها بحجة الصيام. بعد استكمال الخدمة العسكرية وعودته إلى أرض الوطن باشر فور وصوله نشاطه المعهود فأسس لذلك زاوية في منطقة تدعى "لرحبا نية " في الأخضرية فقصده طلاب العلم والمعرفة كما أسس زاوية في " تا بلاط "، ثم زاوية أخرى في أعالي بلدية مفتاح ولاية البليدة، ثم زاوية أخرى في " السواعدية " بمدينة مفتاح أيضا. ?لقد كان عدد الطلاب بكل زاوية من هذه الزوايا يتراوح ما بين 65 إلى 70 طالب منهم المقيم ومنهم الخارجي، واتبع الشيخ طريقة التدريس في هده الزوايا منهجية شيخه في التدريس مقتصرا على تحفيظ القرآن وتدريس علوم الدين واللفقه والتفسير والحديث......... إلخ لم يكن الشيخ رحمه الله تعالى إماما ومدرسا فقط بل كان رجل إصلاح وتقويم يشهد له الكثير ممن عاصروه من سكان المناطق التي أسس فيها زواياه بتغييره لكثير من العادات والتقاليد التي كانت سائدت لديهم والتي لا تتماشى مع الدين الإسلامي، كما يشهدون له بتخليصهم من الجهل ونشر التربية والتعليم أعانه في ذلك جانب كبير من الفضل والصلاح والكرم والإيثار مزجت جسده وروحه وكان صادق اللهجة، دائم البشر، واسع الصدر، ثاقب الفكر، ناصحا لكل من اجتمع إليه، دالا على الخير، متمسكا بأثر السلف الصالح عملا واعتقادا، لم تسترقه الدنيا ولم يستعبده الهوى فكانت أفعاله وأخلاقه كلها دروس عملية علمية تهذيبية. هو الحر إن كان الحري حواريا لهو بتحريه إلى أن تنبّلا لقد كانت للشيخ علاقات وطيدة مع علماء زمانه منهم الشيخ الطيب العقبي طيب الله ثراه الذي دعي من طرف الشيخ لزيارة زاويته في أعالي مدينة مفتاح، فلبى الطيب العقبي الدعوة الكريمة وحضر إلى الزاوية وألقى خطبا ودروسا على طلبة الزاوية. ?علاوة على ما كان يقوم به الشيخ من نشاط علمي في الزوايا، وما يتخلله من توعية وتحسيس وتنبيه بخطر الإحتلال على الدين والوطن، كان له أيضا نشط ميداني سري مع الثوّار المجاهدين، تمثل في إيوائهم واطعامهم والقيام على شؤونهم، ونظرا لعلمه وتقواه وورعه ووطنيته فقد كان محل ثقتهم واحترامهم وتقديرهم, وزكوه لتأدية مهام القاضي لديهم للفصل في القضايا التي تحل عليهم من طرفهم سواء منها ما تعلق بالحالة المدنية أو مصلحة الوطن والمواطن واللجوء إليه للفصل فيها. ومما يروى أنه أثناء أدائه لهذه المهمة الصعبة إبان الثورة التحريرية حدث أن جاءه المجاهدون بشخص حكموا عليه بالإعدام بدعوى خيانة الثورة والعمالة للمحتل فجاؤا به للشيخ للتصديق على الحكم، وبعد سماع الإدعاء رفض الشيخ رحمه الله تعالى الحكم عليه بالإعدام والفتوى بذلك، مصدرا حكما مخففا بالتغريم أو النفي أو الجلد مستدلا بذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وهدد في حال الإصرار على الحكم بالإعدام بتخليه عن مهمة القضاء فكان له ما حكم، مؤكدا لهم في نفس الوقت أنه يتفهم تخوف الثوّار على الثورة ممن يتربصون بها . لم يأل الشيخ رحمه الله تعالى شيئا في سبيل مناصرة الثورة التحريرية الجزائرية المباركة والدعوة إلى محاربة المحتل بشتى السبل والوسائل وتأليب الأمة عليه. فلم يتوان المحتل عن اعتقاله سنة 1956 وسجنه وتعذيبه في سجن يدعى "بوقندورة " ببلدية الأربعاء, ?ونقل بعدها إلى سجن بمفتاح وخضع للتعذيب الشديد. وقد وُفق الشيخ من الله تعالى لصدق الحقيقة. وثبته مولاه, فلم يبال بظهور المخاوف في حياته. فمن لا يرى له القلب حُكما ولا قُدرةً لا تنظر إليه العين بتعظيم ولا هيبة. وفي هذه الأثناء تم اعتقال ابنه البكر محمد رحو وعدد من رفاقه وعمره آنذاك 18 سنة ?بسبب نشاطه الثوري المعادي للمحتل، حيث التقى بالشيخ (والده) في غياهب السجن، وخضع للتعذيب الشديد والإستنطاق، وأثناء خروجه من السجن عرجوا به على والده، فقال لوالده : إني خارج من السجن. فقال له الشيخ بحدس العالم : روح وحدك. أي لا تذكر أحدا من رفاقك تحت التهديد بالقتل. واقتيد ابنه _ محمد _ إلى البلدة التي يسكنها وهناك أعدم رفقة اثنين من رفاقه أمام أعين أهله وكان هذا عام 1957 رحمهم الله جميعا ورحم شهداءنا الأبرار. بعد فترة أطلق سراح الشيخ شريطة مغادرة البلدة وعدم الرجوع إلى ما كان عليه من نشاط وإلا سيعدم كما أعدم ابنه، فغادر الشيخ البلدة رفقة أهله وتوجه إلى بلدية الحراس التي استقر بها إلى غاية الإستقلال. لقد ضرب الشيخ المثل الرائع في العدل بين زوجاته وأبنائه، إذ تزوّج ثلاث زوجات، توفيت الأول منهم فتزوّج أختها. ?ولزواجه من امرأته الثالثة قصة تنبؤ عن كمل أخلاقه وصبره، إذ ابتلى الله تعالى زوجته الثانية بمرض تشبه أعراضه أعراض الجنون فلم يشأ الشيخ الفاضل رحمه الله تعالى أن يطلقها بل قام على خدمتها وعلاجها سنين كان خلالها يقوم الشيخ على حوائج نفسه وبيته مما يوكل للنساء عادة، فنصحه بعض المخلصين بالزواج من زوجة تقوم على شؤون زوجته المريضة طالما أنه يأبى الزواج لنفسه، فتحركت نية الشيخ بهذا القصد لا غير، ولم يكن له أرب في الزواج إلا ذاك فشاء الله تعالى أن يكرمه بكرامة ليلة زفافه، إذ تشفى زوجته ويرتفع عنها ما غيب عقلها سنين فعلمت بما كان من قصه الشيخ وقصه زوجته, فصارت تؤثرها على نفسها أيما إيثار وعاشتا كأنهما ليستا ضرتين قط. يحكى أنه كان إذا قصد خضًّاره الذي يقتني منه طلب منه أن يزن له عشرين برتقالة كل واحدة تساوي أختها كي يقسمها بينهن بالعدل. استمرّ الشيخ رحمه الله تعالى في ممارسة نشاطه الديني كإمام بمسجد الحراش ثم انتقل إلى مسجد رويسوا ثم مسجد العربي التبسي ببلوزداد وكان ذهابه إليه بإلحاح من سكان بلكور وهو آخر محطة وأطولها في الإمامة والتدريس إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى. وقد شهد له أهل بلكور ممن عرفوه عن قرب وتتلمذوا على يديه أنه كان رجلا ثقة ومربيا ومعلما وفقيها بما تحمله الكلمة من معنى ومصلحا ومرشدا وإماما خطيبا مفوها ونموذجا لرجل الصالح المصلح. ?لقد كان أفق الشيخ الفقيه واسعا جدا وصدره رحبا متسعا، له أُنس تام واهتمام جيد بآراء العلماء المعاصرين، كان رحب الصدر غضيض الطرف، لم تُؤثر عنه كلمة نابية ولم يواجه أحدا بما يكره، ولم يدخر جهدا في عمل الخير واسداء الجميل وبذل المعروف كان عظيم الثقة بالله، شديد الإعتماد عليه سبحانه. ظل طوال حياته معروفا بعلو الهِمّة , وعزّة النفس, والوفاء النادر، مع سلامة الصدر ويعرفُ الحق لأهله والفضل لذويه، وينزل الناس منازلهم. وكان يهتم بالمطالعة ويؤثرها على جميع مُتع الحياة، قل أن تراه ممسكا بكتاب يقلب صفحاته، ويتأمل عباراته، وكان يحافظ على وقته بطريقة عجيبة فهو ممن عرف شرف زمانه وقدر وقته , فيقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل فكانت أوقاته محفوظة وكلماته معدودة، فلا تمضي له ساعة الا في قراءة قرآن، أوذكر أو تهجد، أو تعليم الطلبة والناس فكان لا يضيع شيئا من زمانه. ?لم يكن الشيخ رحمه الله تعالى قصير الباع في التأليف ، فقد أوتي ذكاء لامعا وبيانا بليغا وحافظة واعية، ودأبا متواصلا في القراءة والتحصيل، ومكتبة غنية ومعطاة , لكن الهموم التي كان ما في شأن العلم وأهله لم تدع له الوقت الذي يتطلبه التفرغ للتأليف . ?التقيت بعضا من طلبته ممن تتلمذوا على يديه كلهم يثنون عليه الثناء الجميل ويذكرونه بجميل الخصال , أحدهم صهره وهو ?دكتور في الرياضيات يعمل حاليا أستاذا بجامعة باب الزوار أخبرنى قال : ?ساقتني الأقدار للمسجد للصلاة فيه فأشار لي الشيخ بالبقاء في حلقة العلم التي يعقدها يوميا في المسجد فانضممت إليها وكأنه ينظر من وراء حجب الغيب ودامت ملازمتي له، فأفاض علينا من علمه وأدبه فدرست عليه الفقه "متن ابن عاشر ورسالة ابن ابي زيد القيرواني ومختصر خليل" والنحو "قطر الندى" لابن هشام" وألفية " ابن مالك وغيرها من الكتب التي كان يدرسها في ذالك الوقت. يقول عنه تلميذه الأستاذ الدكتور إيدير مشنان: (ما تزال الذاكرة تحتفظ بصورة ذلك الشيخ الجليل المهيب على بساطته وتواضعه. أذكر فيه ذالك العالم الفقيه المدقق الذي يستوعب أدق المسائل ويتحكم فيها ويوصلها إلى الدارسين سهلة ميسورة واضحة. وأذكر فيه ذلك القلب الكبير المفعم بالإيمان والصلاح والتوقي والغيرة على الإسلام والمسلمين.وأذكر فيه ذلك الشيخ الذي يعامل تلاميذه معاملة الأب الرحيم العطوف.علم لم يحتفظ به في صدره بل بثه بين الأجيال قرآنا وحديثا وتفسيرا وفقها ونحوا وبلاغة وغير ذلك من علوم الشريعة وآلاتها. ?والخلاصة أني أتمثل في الشيخ سيدي محمد رحو ذلك الإمام الجليل من بقية السلف الصالح الذين جمعوا بين العلم والعمل وقضوا نحبهم في خدمة الإسلام والمسلمين فرحمة الله عليه من عالم علامة وبحرا فهامة يندر أن يوجد في الأمة أمثاله). هذه كلمات مختصرة من ترجمة هذا العالم العلامة الفقيه الجليل والألمعي النبيل، فقد كان رحمه الله تعالى يمثل المشيخة الرفيعة بعلمه وزهده وعفافه , وطهارة لسانه ورقة جنانه، فلما انتقل إلى جوار ربه سنة 1998 كما هي سنة الله لعباه , كان لفقده أسف عظيم وحزن عميق في نفوس عارفيه، وقد قدم على الله الكريم بزاد من الخير والعمل الصالح الذي بشّر الله فاعليه بجنات النعيم "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا". | |
|